للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به. ليس معنى ذلك أننا نقول بأن المحتسب يجب أن يسلم من الخطأ كليةً؛ لأنه من المحال أن يكون كذلك؛ فالناس بشر، وكل بشر معرض للخطأ، إلا أننا نقول -كما قرر البعض- أنه يجب أن يكون المحتسب متجنبًا لما يُنتهى عنه، متنزهًا عن فعله؛ حتى لا يكون للغير الحق في ممارسة هذه السلطة عليه.

خلاصة هذا الرد على الغزالي الذي لا يشترط العدالة:

أننا لو أبحنا للفاسق أن يمارس هذه المهمة -وهي الرقابة- فمعنى ذلك إذا كان هو في حد ذاته إلى من يراقبه وينهاه عن الفعل الذي يرتكبه، فكيف يكون محتسِبًا ومحتسَبًا عليه في ذات الوقت؟ وكيف يقتدي به الغير؟ والشاعر يقول:

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ ... عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ عَظيمُ

فما دام هو لا يلتزم بأحكام الدين، ما دام هو غير عدل ... فكيف تكون لدعوته أي أثر بالنسبة لمن يدعوه إلى الخير؟

لا شك أنه لا يُقتدى به، ولا شك أن ذلك يكون عبثًا عندما نقرر له أن يمارس هذه الرقابة.

ثالثًا: أن الاحتجاج بعموم النصوص لمنح الفاسق هذا الحق أو تلك السلطة على الغير، لا ينهض دليلًا كافيًا لتقرير ذلك؛ ذلك أن هذا الواجب ككل الواجبات التي فرضتها الشريعة له شروط وله أركان، ومن شروطه فيما نرى أن يكون الشخص عدلًا، فإذا توفرت في القاعدة شروطها وأركانها فإنها تنطبق على كل من توفرت فيه، بحيث يخرج من نطاق تطبيقها من لم تتوفر فيه هذه الشروط والأركان، دون أن يكون ذلك مؤثِّرًا على كون القاعدة عامةً.

رابعا: أن هذا الواجب فيه معنى الولاية على الغير، الواجب -ونقصد به الرقابة- فيه معنى الولاية على الغير، وكأي ولاية يشترط فيمن يقوم عليها أن يكون عدلًا، والفاسق في رأي فقهاء الشافعية ومن تابعهم لا ولاية له ... فكيف يتسنى لنا منحه سلطة الولاية على الغير وهو نفسه محل لأن يمارِس الغيرُ عليه هذه السلطة؟!.

<<  <   >  >>