يتولى الملأ رئاسته في مكة، وبات الموقف يتطلب من الملأ سرعة العمل ضد الرسول، الذي هددت تعاليمه ومقاييسه الجديدة هددت سلطان الملأ نفسه، ومكانة قبيلة قريش ليس في داخل مكة بل وفي خارجها كذلك، فالدعوة الإسلامية وما نادت به من نظمٍ جديدة قائمة على التقوى كأساسٍ للتفاضل الاجتماعي بدلًا من النظم القبلية القائمة على العصبية والثراء، أخذت تكون طلائع جديدة للرئاسة العامة، ليس للملأ وشيوخ العشائر فيها نصيب، وزاد في خوف الملأ من طلائع هذه الرئاسة الجديدة أن شئونها العليا آلت بحكم النظم الإسلامية للرسول نفسه، حيث نادت الآيات القرآن بطاعة الله وطاعة الرسول.
وعبر الملأ عن خوفه من طلائع هذا النظام الإسلامي الجديد؛ لاختلافه عن القواعد التي قررها النظام القبلي للرئاسة على نحو ما جاء في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}(الزخرف: ٣١) وأشار القرآن الكريم أيضًا إلى حقيقة الأسباب التي خاف من أجلها الملأ على مكانته في مكة في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}(سبأ: ٣٤ - ٣٧)
وأخيرًا وجد الملأ ذريعة لتعبئة صفوف عامة قريش وعشائرها تحت لوائه، حين هاجمت التعاليم الإسلامية وثنية قريش وآلهة المشركين، إذ رأى الملك أن سيادة الدعوة الإسلامية الجديدة تعني: زوال سيادة قريش القائمة على صيانة أصنام