وبذلك تكشف توجيهات الفكر الإسلامي وفق مفهوم إنساني رحبَ العمل، واتساعَ العمل، وأنه مصدر للقيمة، وقد سبقت هذه التوجيهات في الاهتمام بالعمل، واعتباره مصدر القيمة في ذلك بأكثر من قرون عديدة، سبقت الاقتصاد الغربي ورائده "آدم سميث" في مصر، الذي يرى أن العمل -وفق مفهومه المادي- مصدر القيمة والثروة، فما توصل إليه "آدم سميث" في مصر- العالم الاقتصادي الغربي المعروف- إنما توصل إليه إسلامنا منذ وجود الإسلام على هذه الأرض.
كما أن العمل كمصدر موضوعي محايد لتقييم الإنسان على أساس الجدارة في الإسلام، يقتضي وضع معايير عمل منضبطة، ومعدلات أداء محددة، وهو ما يسعى الفكر الإداري المعاصر في اتجاهه العلمي إلى تحقيقها، كما يقتضي وضع تقارير نشاط؛ تبين مستوى أداء العامل كأداة لتقييمه.
إذن: هذه المصطلحات الإدارية الحديثة عرفها الفقه الإسلامي، وعرفتها الشريعة الإسلامية.
وهكذا يهدُر الإسلام اعتبارات المحاباة الشخصية في تقييم الإنسان، سواء كانت اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، إذ أنه جعل العمل هو الأساس في تقييم الإنسان، وإذا كان العمل مصدر القيمة فإنه أيضًا وسيلة الكسب، إذ يفرض الإنسان العمل باعتباره وسيلة الكسب، ومصدر رزق الفرد، ودخله الخاص الذي يعول عليه في معيشته، وقد هيأ الله لنا سبل العيش، وكسب الرزق، فيقول -سبحانه وتعالى-: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ}(الأعراف: من الآية: ١٠) ولكن تحقيق ذلك منوط بالسعي والعمل؛ ولذا يقول الحق -تبارك وتعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}(الملك: من الآية: ١٥).