والإسلام إذ يُعمل العقل فإنه يعتد إلى درجة كبيرة بالنية -أي: بالقصد في إتيان الأعمال- ويجعلها مناط تقييمها؛ فالنية أساسية في تحديد الأعمال والحكم عليها؛ ولذا يقول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}(الإسراء: ٨٤) وكذا قوله تعالى {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(البقرة: من الآية ١٤٨) ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كان هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليها)).
كما أن الإسلام -في ربطه الأعمال بمقاصدها- يدعو إلى نبل هذه المقاصد، وتوخيها الخير، والتنافس على فعله؛ اكتسابًا لرضاء الله -سبحانه وتعالى- فإنه إذا كان لا بد لكل عاقل من غرض يقصد إليه بعمله فإن ذلك الغرض هو الأساس في قبول الأعمال ورفضها؛ هو الميزان الذي به تعرف درجة الأعمال عند الله، فإذا ما سما الغرض، وكان القصد نبيلًا، واتصل بالإرادة الدائمة، والتُمس به مرضاة الله كان ذلك سببًا قويًّا في تقبل الأعمال، وارتفاع الدرجات، وكان في الوقت نفسه دليلًا واضحًا على قوة إيمان العامل بالله، وشدة مراقبته لمولاه، فيتقي، ويحسن.
ويدعونا الإسلام إلى تمثل الهدف عند البدء في مباشرة أي من الأعمال؛ كي يتسق العمل في أسلوبه وتوقيته وتحديد مكانه مع القصد؛ وذلك باشتراط استحضار النية عند أداء أي من الأعمال، كما في القيام بالفرائض الدينية مثل: الصلاة، والصوم، والحج، وغيرها، ويرى الإسلام في وحدة الهدف: أساس تماسك الجماعة، وترابطها، وهو ما يتجلى في قوله سبحانه:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: من الآية: ١٠٣).