وإذا كان لكل عمل إجراءات معينة تقتضيها أصول إنجازه، ويتطلبها حسن أدائه، فإنه يتعين الآخذ في إجراءات العمل بالضروري اللازم لسلامة التنفيذ؛ فالإجراءات وسيلة وليست في ذاتها غاية، ولا شك في أن المبالغة في إجراءات العمل وخطوات إنجازه دون مقتضًى إنما هو انحراف عن القصد والاعتدال؛ الذي ينشده الإسلام في الدعوة إلى السلوك السوي، وهذه هي البيروقراطية التي حاربها الإسلام؛ والبيروقراطية تتمثل في الإجراءات الطويلة للعمل، وخطواته، ولذلك: الإسلام اعتبر هذه البيروقراطية انحرافًا عن القصد والاعتدال الذي ينشده الإسلام في الدعوة إلى السلوك السوي.
هذا فضلًا عن أن الإسراف في اتخاذ الإجراءات لون من الإسراف المحظور في الإسلام، كما يعرض المسرفين في إسرافها لغضب وسخط الله -سبحانه وتعالى- إذ تقول الآية الكريمة:{وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأنعام: من الآية: ١٤١) والإسلام لا يأخذ بالشكليات والإجرائيات إلا بالقدر الضروري الذي تفرضه سلامة المعاملات؛ فإذا انتفى ذلك تعين استبعادها؛ تيسيرًا للتعامل وسرعته، وتؤكد آية المداينة هذا المعنى، إذ تشترط الكتابة في التعامل الآجلي؛ حفاظًا لحقوق المتعاملين؛ أما في التعامل الحاضر فلا تسريب في التحلل منها؛ إذ يقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}(البقرة: من الآية: ٢٨٢) إلى قوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا}.
ومعنى ذلك: أن الإجراءات أو الشكليات التي تسبق المعاملات الإسلام يقتصر فيها إلى أبعد الحدود؛ لأن الزيادة فيها إنما تؤدي إلى البيروقراطية التي تعاني منها الإدارات الحديثة في شتى الدول؛