يقول -سبحانه وتعالى- في أخطر شئون الأسرة وهو فصل رابطة الزوجية:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}(البقرة: من الآية: ٢٢٣) وهو ما يحقق الترابط الفكري في العلاقات الأفقية بين أعضاء الجماعة بعضهم وبعض، وبينهم وبين أعضاء الجماعات الأخرى في سائر ما يمسهم من شئون.
ويحقق الإسلام هذا الترابط الفكري في العلاقات الرأسية أيضًا، إذ يأمر بتبادل المشورة بين الرؤساء والمرءوسين في مختلف مستويات التدرج الرئاسي بالجماعة -أي: المنظمة- إذ يقول سبحانه مخاطبًا رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- وكتوجيه عام لسائر القيادات والرئاسات:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر}(آل عمران: من الآية: ١٥٩).
فالإسلام لو أنه بَنى الإسلام المجتمعات في إدارتها وتنظيم شئونها، مع تعيين مصدر القوامة فيها بنى هذه المجتمعات على أساس من الشورى، وتبادل الرأي، يشاور الرئيس المرءوس، والحاكم المحكوم، ويكون العزم في الفعل على ما يتم على طريق المشورة؛ قرر الإسلام هذا، وجعله شأنًا من شئون المسلمين في مجتمعاتهم، والواقع أن تبادل المشورة بين مختلف العاملين في المنظمة لا يُدعم جماعية الفكر والتفاهم المشترك بينهم فحسب؛ بل ينمي شخصية كل فرد، ويرفع معنوياته، ويزكي شعوره بالانتماء والولاء للمنظمة، إذ يشارك بالرأي فيما يجد من شئونها.
ويأمرنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بإبداء الرأي عند طلبه، وأن يكون ذلك بأمانة، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((المستشار مؤتمن)).
وهكذا يضع لنا الإسلام دعائم التكوين الهيكلي للمنظمة، ويرشدنا إلى الأساليب الفعالة؛ لتحقيق تماسك أفراد الجماعة سلوكيًّا وفكريًّا، في نهج منضبط سوي، لم يرق إليه الفكر الإداري المعاصر في اتجاهيه العلمي والإنساني المتطرفين.