يدعو الإسلام إلى إسناد الأعمال أي: الوظائف والحرف إلى ذوي الكفاية والنزاهة عملًا بقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين}(القصص: من الآية: ٢٦) والقوي هنا من تتوافر فيه القدرات البدنية والذهنية التي يتطلبها العمل بحسب طبيعته، ومتطلبات أدائه، على أن يراعى دائمًا تولية الأصلح، يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: ((من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلًا، وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما رجل استعمل رجلًا على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل، فقد غش الله وغش رسوله، وغش جماعة المسلمين)).
فالقواعد القانونية المقررة في النظام الإسلامي في مجال تولية الوظيفة العامة، تركز على اتخاذ الصلاحية أساسًا لهذه التولية بحيث لا يجوز تولية من لا صلاحية لهم، أو ترك الأصلح وتقديم الأقل صلاحية، بمعنى أنه إذا ما وقع الاختيار على أحد الأفراد المشهود لهم بالكفاية، غير أن كفايته هذه تقل عن كفاية الآخرين، فإن الاختيار في هذه الحالة يكون قد خالف أصلًا تشريعيًّا في الإسلام.
وقد أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفكرة الاختبار قل الاختيار، وذلك في إسناد منصب القضاء إلى معاذ بن جبل، وهو ما يكشف عنه حديثه صلوات الله وسلامه عليه مع معاذ عند مقابلته، إذ سأله:((بم تقضي يا معاذ؟ فأجاب: أقضي بكتاب الله، فسأله فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله، فسأله فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ فأجاب أجتهد رأيي ولا آلو، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينئذ: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)).