التي آزرت العناية الإلهية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في استكمال مقوماتها، ووضع خطوطها، فاستخدم كل الإمكانيات المتاحة، وراعى كل الاحتمالات المستقبلية، فجاءت خطته محكمة الأغراض، واضحة المعالم على النحو التالي:
من أولى هذه المعالم للتخطيط لنشر الدعوة: أن يبدأ الدعوة -صلى الله عليه وسلم- سرًّا بين أهله وعشيرته، فقد ظلت هذه المرحلة قرابة ثلاث سنوات كانت الإمكانيات المتاحة لا تسمح بغير سرية الدعوة، حيث كان الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وحده لا تؤازره غير العناية الإلهية، وسط مجتمع يموج بالظلم والظلمات، ويرزح تحت وطأة العبودية للأصنام شعاره البقاء للأقوى، وحركته تقوم على المصلحة الشخصية، ولو على حساب صالح المجتمع، وكانت محاولة الرسول -عليه الصلاة والسلام- مواجهة هذا المجتمع وحده جهرًا منذ أيام الدعوة الأولى، كان ذلك شيئًا يخرج عن حدود المنطق والعقل، ومن ثم شاءت الحكمة الإلهية أن تظل الدعوة خلال هذه الفترة سرًّا حتى يجد الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أهله وعشيرته من يقف بجانبه، ويمد له يد العون، وكانت المعرفة بطبيعة هذا المجتمع، واختيار الوقت المناسب لمواجهته من أهم عوامل نجاح الدعوة الإسلامية، كما أن هذه السنوات الثلاث كانت كفيلة بأن يمتلئ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحب الدعوة، ويتشبع بعظمة الرسالة التي كلّف بها حتى إنه قال لعمه أبي طالب قولته المشهورة:((والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه)).
ونتحدث الآن عن ثاني هذه المعالم للتخطيط لنشر الدعوة، وهو الجهر بالدعوة، فنقول:
بعد ثلاث سنوات من التمهيد، والإعداد للدعوة الإسلامية جاء الإذن من الله -سبحانه وتعالى- لرسوله بالجهر بالدعوة في قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ