كان الرسول يدرك أن الإسلام سيضع حدًّا لهذه الوثنية العمياء، التي كانت مصدر دخل ثابت لثقيف، وأن هذه القبيلة لن تقبل ذلك بسهولة.
وكان -عليه الصلاة والسلام- يعلم أن لثقيف زعامة سياسية في الطائف لا تقل عن زعامة قريش في مكة، وأن قيام دولة إسلامية في الطائف سيقضي على هذه الزعامة، وهذا سيجعلها تقاوم دعوة الإسلام بعنف، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتخوف أن تنظر إليه ثقيف على أنه واحد من قبيلة قريش عدوها اللدود، ولا تنظر إليه على أنه صاحب رسالة سماوية.
كل هذه العوامل بإيجابياتها وسلبياتها كانت في ذهن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو يفكر في الطائف كأحد البدائل المتاحة لتحقيق هدف الإسلام في بيئة صالحة لقيام مجتمعه، لكن الرحلة الاستطلاعية التي قام بها مع مولاه زيد بن حارثة، والتي لا يتسع المجال للحديث عنها هنا أكدت له أن الموقف غير مناسب للهجرة إلى الطائف، كما أنها ليست الأرض التي تصلح لقيام المجتمع الإسلامي إذ ذاك.
ثم ننتقل الآن للحديث عن البديل الثاني، وهو الهجرة إلى الحبشة:
بناء على المعلومات التي توفرت للرسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى قدرته الفذة على دراسة الموقف المحيط به، تأكد له أن الحبشة هي أنسب الأماكن المتاحة للهجرة المؤقتة للمسلمين، وذلك لعدة أسباب نذكر منها:
١ - كانت الحبشة بحكم موقعها بعيدة عن أيدي المشركين، كما أن قريش كانت لها مع الحبشة تجارة تعود عليها بالربح الوفير، مما يجعل هناك مصالح مشتركة بينهما تمنعها من الدخول في حروب أو صراعات كما أن هذه المصالح مشتركة بينهما قد تفيد الإسلام فيما بعد.