اغتصابهم للحقوق، وتلك أيضًا كانت وظيفة الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- لقد تصادمت الطبيعة البشرية الميالة للتكبر واغتصاب الحقوق مع الأديان والرسل من قديم الزمان؛ مما جعل حياة الرسل والداعين بدعوتهم سلسلة من المتاعب الكثيرة.
وقبل بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- كان نظام الطبقات يسود العالم بصورة شائعة وقاسية، فقد نشأ هذا النظام في الحياة الاجتماعية والسياسية على السواء، فالرومان كانوا يقسِّمون الناس إلى أحرار وغير أحرار؛ فالأحرار يتمتعون بكل الحقوق، وغير الأحرار يحرمون من التمتع بأي حق من الحقوق، ولم تكن الجزيرة العربية أسعد حالًا، بل كان الرق أحد العوامل السائدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ نتيجة للغارات، والحروب المتوالية، وكان الرق بابًا من أبواب التجارة الرابحة، فلما جاء الإسلام لم يقر هذه الأوضاع، فكما حرر الإنسان في فكره وعقيدته، حرره من عبوديته لسادته ولغيرهم، وهذه النزعة العادلة هي القيمة التي دافع عنها الحكام، وطبقها القضاة بين الناس.
لقد جاء الإسلام بنظرية المساواة التامة، حيث قرر المساواة بين الناس جميعًا على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، فهم متساوون في الحقوق والواجبات، وذلك في النظام الذي رسمه التشريع الإسلامي، وقد حرص الإسلام على تقرير هذه المساواة في أكمل صورها، وجعلها من العقائد الأساسية، التي يجب أن يدين بها كل مسلم، واستنكر الإسلام معاملة الناس معاملة متفاوتة، وندد بالتفرقة العنصرية، قال تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(القصص: ٤) وهذه المساواة التي نادى بها الإسلام تشمل الناس جميعًا، دون نظر حتى إلى الدين الذي يعتنقونه.