للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فها هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يُهدر أيَّ تفرقة بين مسلم وغير مسلم، ويتضح هذا عندما أمر أن يقتص أحد أقباط مصر من ابن عمر بن العاص -والي مصر- عندما ضربه.

وقد رُوي أن محمد بن عمرو بن العاص ضرب مِصريًّا بالسوط وهو يقول له: خذها وأنا ابن الأكرمين، وحبس ابن العاص المصريَّ؛ مخافة أن يشكو ابنه إلى الخليفة، فلما أفلت المصري من محبسه ذهب إلى المدينة، وشكا لعمر بن الخطاب ما أصابه، فاستبقاه عمر بن الخطاب -المصري- في المدينة.

واستقدمَ عمرو وابنه من مصر، أي: طلب من عمرو بن العاص وابنه أن يأتيا إليه في دار الخلافة، ودعاهما إلى مجلس القصاص، فلما مثُلا فيه، نادى عمر: أين المصري؟ دونك الدرة -وهي: عصا يَضرب بها، أي: خذ الدرة فاضرِبْ بها ابنَ الأكرمين- فضرب المصري محمدًا حتى أثخنه، وعمر يقول: اضْرِبْ ابنَ الأكرمين فلما فرغ الرجل، وأراد أن يرد الدرة إلى أمير المؤمنين قال له: ضعها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه، قال عمرو: يا أمير المؤمنين، قد استوفيت، واستشفيت، وقال المصري: يا أمير المؤمنين، قد ضربتُ من ضربني، وقال عمر: إنك والله لو ضربتَه ما حُلنا -أي: ما منعناك- بينك وبينه، حتى تكون أنت الذي تدعه، والتفت إلى عمرو غاضبًا، وقال: أي يا عمرو، متى تعبَّدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا؟!

وقد طبق قضاة المسلمين مبدأ المساواة في قضائهم إلى أقصى حد ممكن؛ فقد روي أن علي بن أبي طالب افتقد درعًا -وكان في ذلك الوقت خليفة للمسلمين- فوجدها عند نصراني في السوق، فذهب علي بن أبي طالب إلى قاضي المسلمين شريح، يخاصم النصراني في الدرع، ويقول: "إنها درعي، ولم أبِع، ولم أهَب" يعني: ما بعتها، ولا وهبتها، ويسأل القاضي شريح النصراني، ويقول له: ما

<<  <   >  >>