للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعدما تكلمنا عن الديار منها دار الإسلام، ودار الكفر، ثم دار العهد؛ نتكلم الآن عن أثر تقسيم الدار إلى دار إسلام، ودار حرب.

فنقول: اختلف الفقهاء في سريان الأحكام الشرعية على رعايا الدولة الإسلامية إذا كانوا في غير دار الإسلام، ومن أهم تلك الأحكام: الأحكام الجنائية، والقصاص في دار الحرب، والربا، والعقود الفاسدة في دار الحرب، والتزام المستأمن بأحكام الإسلام، وسنلقي الضوء على كل مسألة فيما يلي:

فبالنسبة للأحكام الجنائية نقول: إذا ارتكب المسلم، أو الذمي في دار الحرب، أو العهد ما يوجب حدًّا، فهل تسري عليه الأحكام الإسلامية؟ اختلف الفقهاء في الإجابة على ذلك على رأيين:

الأول: ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الأحكام الجنائية الإسلامية لا تسري على الجرائم التي يرتكبها رعايا الدولة الإسلامية في دار الحرب، ووجه ذلك أن الإمام لا يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب؛ لعدم الولاية؛ فوجوب الحد مشروط بالقدرة، ولا قدرة للإمام عليه حال كونه في دار الحرب؛ فلا وجوب، وإلا خلت عن الفائدة؛ لأن المقصود من إقامة الحد الاستيفاء؛ ليحصل الزجر، والفرض أن لا قدرة عليه، ولو ارتكب المسلم شيئًا من ذلك، ثم رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الإسلام؛ لأن الفعل لم يقع موجبًا للحد أصلاً.

ومعنى ما سبق: أن القضاء بالعقوبة يقتضي الولاية على محل الجريمة وقت ارتكاب الجريمة، ولا ولاية للدولة الإسلامية على محل ارتكاب الجريمة، ويترتب على ما سبق أنه لو دخل مكان الجريمة في ولاية الدولة الإسلامية بعد ارتكاب الجريمة؛ فلا تطبق أحكام الشريعة على الجريمة؛ لأن الولاية كانت منعدمة وقت وقوع الجريمة.

<<  <   >  >>