لذا عظم الإنسان العهود ورغب فيها، وشرعها، وآثر فض المنازعات الجماعية عن طريقها، وتحقيق الأغراض والغايات الإنسانية النبيلة بواسطتها، بل إن نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة لا يتم إلا في ظلها، وفي ربوع الأمن والسلام المتحقق به.
وما أكثر النصوص الشرعية الدالة على مبدأ مشروعية معاهدات مع الأعداء في السلم، والحرب في إطار من الشروط المتفق عليها بالتراضي، والاختيار، من تلك النصوص قوله تعالى:{بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}(التوبة: آية: ١) وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(التوبة: ٧) وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}(النساء: من الآية: ٩٠) وقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(الأنفال: من الآية: ٦١) وقوله تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}(الأنفال: من الآية: ٧٢) وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(التوبة: من الآية: ٤).
كل ذلك يدل على قدسية المعاهدات، وضرورة الوفاء بها، وجاءت السنة النبوية القولية، والفعلية مؤكدة هذه المعاني، ففي الصلح المؤقت -الهدنة أو الموادعة- روى أبو داود في سننه، عن رجل من جهينة:((أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لعلكم تقاتلون قومًا ستظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم فيصالحونكم على صلحٍ فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه لا يصلح لكم)) وقال -صلى الله عليه وسلم- قبيل صلح الحديبية:((والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)).