وفي الصلح المؤبد، أو المطلق -ونقصد به عقد الذمة- يقول صلى الله عليه وسلم:((ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسٍ؛ فأنا حجيجه يوم القيامة)) وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من أذى ذميًا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة)).
وفي عقد الأمان الفردي من المسلم، أو الجماعي من فئة، أو من قائد، أو إمام حاكم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما رجلٍ من أقصاكم أو أدناكم، من أحراركم أو عبيدكم أعطى رجلاً منهم أمانًا، أو أشار إليه بيده فأقبل بإشارته؛ فله الأمان؛ حتى يسمع كلام الله، فإن قبل؛ فإخوانكم في الدين، وإن أبى؛ فردوه إلى مأمنه، واستعينوا بالله)).
أرشدت هذه النصوص في العهد النبوي إلى أن المعاهدات مشروعة في الإسلام، بل إنها في منهجه وسيلة فعالة متعينة لضمان السلم، ودعم الأمن، وتوفير حقوق الإنسان، وكفالة الحريات التي جاء الإسلام بضمانها واحترامها.
الوفاء بالعهد: لم تكن المعاهدات في الإسلام مجرد قصاصة ورق -كما هو الشأن عند الدول غير الإسلامية المعاصرة- ولا وسيلة لخداع العدو، ولا وسيلة لتنفيذ أهداف خاصة معينة، ولا شعارًا لفرض القوي سلطانه على الضعيف، أو المغلوب، ولا من أجل تقرير سلمٍ ظالم غير قائمٍ على الحق والعدل؛ حتى إذا قوي الضعيف نبذها، وقاتل للتحلل من قيودها، والتخلص من نير القوي. وهي أيضًا كانت صورة لقوة الأقوياء، وليست إجراءً لتنظيم السلم، والعدل.
وإنما كانت المعاهدات في الإسلام مصونة عن أي غدر، أو خداعٍ، أو قهرٍ، أو تأمين مصلحة مادية رخيصة، أو فتح منافذ، أو أسواقٍ لتصريف السلع، والمنتجات، وفائض الزراعة، أو المواد الممتلكة.