فالقرآن الكريم لا ينظر إلى المعاهدات -التي يسوغ إبرامها- تلك النظرة المصلحية، وإنما أمر بالوفاء بالعهد وفاءً مطلقًا -من غير قيدٍ- بضعفٍ، أو قوة؛ وذلك لإقامة سلمٍ ثابت على أقوى الدعائم والأصول، والتزم المسلمون بالوفاء بالعهود شرعًا إليها عادلاً؛ لحماية الأغراض السامية، التي تهدف لها الدعوة الإٍسلامية، أو للتوصل إلى سلمٍ وطيدٍ لا ينطوي على أي عدوانٍ مبيتٍ، ولا يجوز نقضها ما دامت قائمة، كما لا يجوز نقضها ما دامت قائمة، كما لا يجوز الإخلال بشروطها، أو بنودها -ما لم ينقضها العدو؛ تنفيذًا لأمر الله المطلق للآيات القرآنية العديدة، مثل قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة من الآية: ١)، وقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(النحل: ٩١) وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً}(الإسراء من الآية: ٣٤) وقوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}(التوبة: من الآية: ٤){فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}(التوبة: من الآية: ٧).
الوفاء بالعهد ملازم لصفة الإيمان، ودستور أساسي معظم لا ينقض، ونقض العهد شأن المنافقين، لا المؤمنين، قال تعالى -واصفًا للمؤمنين-: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ}(الرعد: آية: ٢٠) ويقول تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}(البقرة: من الآية: ١٧٧).
ولا يجوز للمسلمين أن ينصروا إخوانهم المسلمين في بلد غير إسلامي عدا المعاهدين لنا من الكفار، وتضافرت الوصايا النبوية باحترام العهود، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) وقال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته، ألا لا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة)) وجعل الغدر، والخيانة، والإخلال بالعهد من صفات النفاق، وخصائص المنافقين قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)).