العامة، وتدبيرٍ للقضايا الحربية، وما يترتب عليها من نتائج بعيدة المدى أو الأثر، ولا يتأتى ذلك لغير الإمام من آحاد الناس.
فإن تولى عقد الهدنة شخص عادي، دون تفويضٍ من الإمام؛ عد ذلك افتياتًا على الإمام أو نائبه، ولم يصح العقد عند جمهور الفقهاء.
كيف تم صلح الحديبية؟ وما هي أسبابه؟ أراد المسلمين بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- أداء العمرة في البيت الحرام في آخر السنة السادسة من الهجرة؛ فصدهم المشركون عن الطواف بالبيت، ورضوا بعقد صلحٍ معهم، فيه شروط مجحفة بالمسلمين إيثارًا للسلام على الحرب، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)) وكان من شروط الصلح: أن من جاء منكم -أي: من المسلمين- لا نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه إلينا؛ فقال الصحابة:((يا رسول الله أتكتب هذا؟ قال نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاء منهم سيجعل الله له فرجًا، ومخرجًا)).
وكان لعمر -رضي الله عنه- معارضةٌ للصلح، ومناقشة الكثير من شروطه؛ حتى إنه أنكر على الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصلح قائلًا:((يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف، أمره، ولن يضيعني)).
وقد التزم المسلمون بتنفيذ بنود المعاهدة تمامًا؛ حتى إن أبا جندل بن سهيل بن عمر جاء مسلمًا إلى المسلمين؛ فطلب سهيل بن عمر رده إلى مكة؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنا لم نقض الكتاب بعد)) ثم رده النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم.