المراد من الإعذار قطع العذر والتلوم عمن توجه إليه.
والإعذار -في اصطلاح علماء المالكية-: هو سؤال الحاكم: لمن توجه عليه أو لمن توجه عليه موجب الحكم؟ هل له ما يسقطه بقوله: أبقيت لك حاجة؟
أي أن: الإعذار المقصود به: أنه إذا حكم على إنسان أو على الخصم أو إذا وجدت هذه الأدلة أدلة الإثبات كاملة، فعلى الحاكم قبل أن يحكم عليه أن يوجه له هذا الإعذار، ويقول له: هل عندك حجة مخالفة لهذه الحجة التي أقامها هذا الخصم؟ هل عندك ما تجرح به هذه الشهادة؟ ... إلى غير ذلك.
وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على أن إيقاع العقوبة لا يكون إلا بعد قطع الحجة بانتفاء العذر عمن استحق العقوبة، فمن ذلك قوله تعالى في قصة الهدهد:{لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}(النمل: من الآية: ٢١) وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}(الإسراء: من الآية: ١٥) وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}(طه: من الآية: ١٣٤) وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(النساء: الآية: ١٦٥).
فهذه الآيات تدل على أن من أصول العدل عدم إيقاع العقوبة ممن استحقها إلا بعد إعذاره ليأتي بما فيه خلاصه، فإن لم يأتِ به كان في ذلك تبرير لإنزال العقوبة به، وكذا الحكم فإنه لا يصح إلا بعد الإعذار فيه لما فيه من نوع العقوبة باعتبار المحكوم عليه.