محل الإعذار: يظهر من كلام العلماء: أن الإعذار إنما يكون في الشهادة، حيث قالوا: والإعذار إنما هو على الظنون، والتهمة للشهود، وهذا ما يشير إلى: أن محل الإعذار إنما هو في الشهادة، ولعل ذلك من حيث الواقع العملي، فإن الشهادة هي أوسع الطرق في الإثبات.
ولكن: إذا نظرنا إلى علة الإعذار في الشهادة نجد أنها لا تختلف عنها في غيرها من طرق الإثبات، فكما أن الطعن في الشهادة بالتزوير محتمل فكذا يحتمل الطعن في غيرها بالتزوير، كالمستندات والقرائن وما أشبهها؛ لذا كان من حق المحكوم عليه -كما يراه البعض- الإعذار إليه في كل ما قدمه الطرف الآخر من الحجج الشرعية ووسائل الإثبات وله الطعن المقتول في ذلك.
ثم إن العلماء استثنوا بعض الأحوال التي لا يجدي فيها الإعذار، والتي قد يكون الإعذار فيها طريقًا إلى استفحال الشر، وانتشار الفساد، فمن تلك الأحوال:
١ - كل من قامت عليه بينة بفساد أو غصب أو تعدٍ، إذا كان من أهل الفساد الظاهر أو من الزنادقة المشهورين بما ينسب إليهم، وذلك لأن الإعذار إليهم سبيل إلى نشر الفساد من غير فائدة مرجوة؛ ولذا لا يعذر إليهم.
٢ - كل من قامت عليه الشهادة بما وقع فيه من الإقرار أو الإنكار في مجلس القاضي، وذلك لمشاركة القاضي للشهود الحاضرين، فإنه يلزم من الإعذار فيهم إعذار القاضي في نفسه.
٣ - وكذا: من استفاضت عليه الشهادات بسبب شرعي أو بإضرار أحد الزوجين للآخر؛ لأن الإعذار لا يفيد مع استفاضة الشهادات، فلا يمكن تجريح الجميع كما لا يمكنه الإتيان بما يسقط به شهادته.