والإعذار لا يكون إلا بعد استيفاء الشهود وتمام النظر؛ لأن الإعذار في شيء ناقص لا يفيد شيئًا، وأما وقت الإعذار ففيه قولان -كما ذكره علماء المالكية-:
القول الأول: أنه قبل الحكم، وهذا يعني: أن القاضي إذا نظر في الدعوى والحجج أعذر فيه إلى من يراد الحكم عليه وعلى هذا القول العمل عند المالكية.
القول الثاني: أن الإعذار يكون بعد صدور الحكم.
والظاهر: أن القول الأول هو الصواب؛ لأن الهدف من الإعذار هو فيما إذا كان للمحكوم عليه ما يبطل به حجة المحكوم له، فكان الأولى في ذلك أن يكون الإعذار من أقرب الطرق دفعًا للضرر عن الطرفين، وأما على القول الثاني -القائل بأن الإعذار يكون بعد صدور الحكم- فيكون ضرره أكبر من نفعه؛ لأن الإعذار بعد الحكم يؤدي إلى ضياع الفرصة على المحكوم عليه في إدراك حقه، ثم إن فيه احتمال التصرف بالمحكوم به إذا كان قابلًا للتصرف.
لذا أرى: أنه لا مانع من كونه بعد سماع الشهادة وقبل التعديل؛ لأنه مع احتمال تجريح الشهادة، فلا فائدة من تعديلهم؛ حيث يقدم الجرح على التعديل عند العلماء؛ لأن الجرح يفيد زيادة الإطلاع ما لم يتضمن التعديل نفي تلك الزيادة، كأن يكون الشاهد تاب مما جرح به، فحينئذٍ يقدم التعديل.
والحاصل من هذا: أن يراعى بما هو أولى في وقت الإعذار لجلب المصلحة للطرفين.
نتيجة الإعذار والتأجيل فيه:
الإعذار قد يكون من حق المدعى عليه لإبطال الدعوى الأصلية، وقد يكون من حق المدعي لإبطال دعوى الدفع، كما قد يكون من حق المدعي عليه -أيضًا-