للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي تصب عليه إذا استمدها بيده، وأشار إليها فإذا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية العسكر.

فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت.

فإذا صوت رجل يغني فأنصت له حتى فهم ما يعني به من الشعر.

ثم دعا جارية من جواريه غيرها فتوضأ فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما.

فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه، فأفاضوا في التليين والتحليل والتسهيل.

فقال: هل بقي أحد يسمع منه؟ فقام رجل من القوم فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجلان من أهل أيلة حاذقان، قال: وأين منزلك من العسكر؟ فأومى إلى الناحية التي كان الغناء منها.

فقال سليمان يبعث إليهما فوجد الرسول أحدهما فأقبل به حتى أدخله على سليمان، فقال له: ما اسمك؟ قال: سمير.

فسأله عن الغناء كيف هو فيه، فقال حاذق محكم.

قال: ومتى عهدك به؟ قال: في ليلتي هذه الماضية.

قال: وفي أي نواحي العسكر كنت؟ فذكر له الناحية التي سمع منها الصوت.

قال: فما غنيت؟ فذكر الشعر الذي سمعه سليمان.

فأقبل سليمان فقال: هدر الجمل فضبعت الناقة، وهب التيس فشكرت الشاة، وهدل الحمام فزافت الحمامة، وغنى الرجل فطربت المرأة.

ثم أمر به فخصي.

وسأل عن الغناء أين أصله وأكثر ما يكون.

قالوا: بالمدينة وهو في المخنثين، هم الحذاق به والأئمة فيه.

فكتب إلى عامله على المدينة وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أخصي من قبلك من المخنثين المغنين.

قال المصنف : وأما المعنى فقد بينا أن الغناء يخرج الإنسان عن الاعتدال ويغير العقل.

وبيان هذا أن الإنسان إذا طرب فعل ما يستقبحه في حال صمته من غيره من تحريك رأسه.

وتصفيق يديه، ودق الأرض برجليه.

إلى غير ذلك مما يفعله أصحاب العقول السخيفة.

والغناء يوجب ذلك بل يقارب فعله فعل الخمر في تغطية العقل.

فينبغي أن يقع المنع منه.

أخبرنا عمر بن ظفر نا جعفر بن أحمد نا عبد العزيز بن علي الأزجي نا ابن جهضم نا يحيى بن المؤمل ثنا أبو بكر السفاف ثنا أبو سعيد الخراز قال: ذكر

<<  <   >  >>