أنبأنا محمد بن أبي طاهر نا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه ثني محمد بن هلال بن عبد الله ثني القاضي أحمد بن سيار قال: حدثني رجل من الصوفية قال: صحبت شيخا من الصوفية أنا وجماعة في سفر فجرى حديث التوكل والأرزاق وضعف اليقين فيها وقوته فقال الشيخ وحلف علي أيمانا عظيمة لا ذقت مأكولا أو يبعث لي بجام فالوذج حالا لا آكله إلا بعد أن يحلف علي.
قال وكنا نمشي في الصحراء فقالت له الجماعة إلا أنك غير جاهد ومشى ومشينا فانتهينا إلى قرية وقد مضى يوم وليلتان لم يطعم فيها شيء ففارقته الجماعة غيري فطرح نفسه في مسجد القرية مستسلما للموت ضعفا.
فأمت عليه فلما كان في ليلة اليوم الرابع وقد انتصف الليل وكاد الشيخ يتلف.
إذا بباب المسجد قد فتح وإذا بجارية سوداء معها طبق مغطى.
فلما رأتنا قالت: أنتم غرباء أو من أهل القرية؟ فقلت غرباء فكشفت الطبق وإذا بجام فالوذج يفور لحرارته فقدمت لنا الطبق وقالت كلوا فقلت له كل فقال لا أفعل فرفعت الجارية يدها فصفعته صفعة عظيمة وقالت: والله لئن لم تأكل لأصفعنك هكذا إلى أن تأكل، فقال كل معي فأكلنا حتى فرغ الجام وهمت الجارية بالانصراف فقلت للجارية: ما خبرك وخبر هذا الجام؟ فقالت: أنا جارية لرئيس هذه القرية، وهو رجل حاد، طلب منا منذ ساعة فالوذج فقمنا نصلحه له فطال الأمر عليه فاستعجلنا فقلنا نعم! فعاد فاستعجل فقلنا نعم، فحلف بالطلاق لا أكله هو ولا أحد ممن هو داره ولا أحد من أهل القرية إلا رجل غريب، فخرجنا نطلب في المساجد رجلا غريبا فلم نجد إلى أن انتهينا إليكم ولو لم يأكل هذا الشيخ لقتلته ضربا إلى أن يأكل لئلا تطلق سيدتي من زوجها، قال: فقال الشيخ: كيف تراه إذا أراد أن يرزق؟
قال المصنف ﵀: ربما سمع هذا جاهل فاعتقده كرامة وما فعله الرجل من أقبح القبيح فإنه يجرب على الله ويتألى ويحمل نفسه من الجوع ما لا يجوز له وهذا لا يجوز له ولا ينكر أن يكون لطف به إلا أنه فعل ضد الصواب وربما كان إنفاذ ذلك رديئا لأنه يعتقد أنه قد أكرم وإن ذلك