للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منزلة.

وكذلك حكاية حاتم التي قبلها فإنها إن صحت دلت على جهل بالعلم وفعل لما لا يجوز لأنه ظن أن التوكل إنما هو ترك التسبب فلو عمل بمقتضى واقعته لم يمضغ الطعام ولم يبلعه فإنه تسبب وهل هذا إلا من تلاعب إبليس بالجهال لقلة علمهم بالشرع ثم أي قربة في هذا الفعل البارد وما أظن غالبه إلا من الماليخوليا.

أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز نا أحمد بن علي بن المحسن قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري قال: قال لي جعفر الخلدي: وقفت بعرفة ستا وخمسين وقفة منها إحدى وعشرون على المذهب.

فقلت لأبي إسحق: وأي شيء أراد بقوله - على المذهب - فقال يصعد إلى قنطرة الناشرية فينفض كميه حتى يعلم أنه ليس معه زاد ولا ماء ويلبي ويسير.

قال المصنف : وهذا مخالف للشرع فإن الله تعالى يقول: ﴿وتزودوا﴾ ورسول الله قد تزود، ولا يمكن أن يقال إن هذا الآدمي لا يحتاج إلى شيء مدة أشهر فإن احتاج ولم يتزود فعطب أثم وأن سأل الناس أو تعرض لهم لم يف ذلك بدعوى التوكل وإن ادعى أنه يكرم ويرزق بلا سبب فنظره إلى أنه مستحق لذلك محنة ولو تبع أمر الشرع وحمل الزاد كان أصلح له على كل حال.

وأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر قال: أخبرني أبي عن بعض الصوفية، أنه قدم عليه من مكة جماعة من المتصوفة فقال لهم من صحبتم فقالوا حاج اليمن فقال أوه التصوف قد صار إلى هذا أو التوكل قد ذهب.

أنتم ما جئتم على الطريقة والتصوف وإنما جئتم من مائدة اليمن إلى مائدة الحرم، ثم قال: وحق الأحباب والفتيان لقد كنا أربعة نفر مصطحبين في هذا الطريق نخرج إلى زيارة قبر النبي على التجريد ونتعاهد بيننا أن لا نلتفت إلى مخلوق ولا نستند إلى معلوم، فجئنا إلى النبي ومكثنا ثلاثة أيام لم يفتح لنا بشيء فخرجنا حتى بلغنا الجحفة ونزلنا وبحذائنا نفر من الأعراب فبعثوا ألينا بسويق فأخذ بعضنا ينظر إلى بعض ويقول: لو كنا من أهل هذا الشأن لم يفتح لنا بشيء حتى ندخل الحرم فشربناه على الماء وكان طعامنا حتى دخلنا مكة.

<<  <   >  >>