للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عما يؤذي من جميع ذلك وردها إلى الاعتدال فيه، وقد مدح الله ﷿ من نهى النفس عن الهوى وإنما تنتهي عما تطلبه ولو كان طلبه قد زال عن طبعها ما احتاج الإنسان إلى نهيها، وقد قال الله ﷿: ﴿والكاظمين الغيظ﴾ وما قال والفاقدين الغيظ، والكظم رد الغيظ يقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه فمدح من رد النفس عن العمل بمقتضى هيجان الغيظ فمن ادعى أن الرياضة تغير الطباع ادعى المحال وإنما المقصود بالرياضة كسر شره شهوة النفس والغضب لا إزالة أصلها والمرتاض كالطبيب العاقل عند حضور الطعام يتناول ما يصلحه ويكف عما يؤذيه وعادم الرياضة كالصبي الجاهل يأكل ما يشتهي ولا يبالي بما جنى.

الشبهة الخامسة: إن قوما منهم داموا على الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام ولو تجوهروا لسقطت عنهم قالوا وحاصل النبوة ترجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ولسنا من العوام فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة وهؤلاء قد رأوا أن من أثر جوهرهم ارتفاع الحمية عنهم حتى إنهم قالوا أن رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله مع النبي فلم يقشعر جلده فإن اقشعر جلده فهو ملتفت إلى حظ نفسه ولم يكمل بعد إذ لو كمل لماتت نفسه فسموا الغيرة نفسا وسموا ذهاب الحمية الذي هو وصف المخابيث كمال الإيمان.

وقد ذكر ابن جرير في تاريخه إلى الريدونية كانوا يستحلون الحرمات فيدعو الرجل منهم الجماعة إلى بيته فيطعمهم ويسقيهم ويحملهم على امرأته.

وكشف هذه الشبهة أنه ما دامت الأشباح قائمة فلا سبيل إلى ترك الرسوم الظاهرة من التعبد فإن هذه الرسوم وضعت لمصالح الناس، وقد يغلب صفاء القلب على كدر الطبع إلا أن الكدر يرسب مع الدوام على الخير ويركد فأقل شيء يحركه كالمدرة تقع في الماء الذي تحته حمأة وما مثل هذا الطبع إلا كالماء

<<  <   >  >>