وربما حلف أحدهم بحق الفتوة فلم يأكل ولم يشرب ويجعلون إلباس السراويل للداخل في مذهبهم كإلباس الصوفية للمريد المرقعة وربما يسمع أحد هؤلاء عن ابنته أو أخته كلمة وزر لا تصح ولا بما كانت من محرض فقتلها ويدعون هذا فتوة.
وربما افتخر أحدهم بالصبر على الضرب.
وبإسناد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه كان يقول: كنت كثيرا أسمع والدي أحمد بن حنبل يقول: رحم الله أبا الهيثم، فقلت: ومن أبو الهيثم؟ فقال أبو الهيثم الحداد: لما مددت يدي إلى العقاب وأخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلت لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب في ديوان الأمير أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين، قلت: أبو الهيثم هذا يقال له خالد الحداد، وكان يضرب المثل بصبره.
وقال له المتوكل ما بلغ من جلدك؟ قال: املأ لي جرابي عقارب ثم أدخل يدي فيه وإنه ليؤلمني ما يؤلمك وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ولكنني وطنت نفسي على الصبر، فقال له الفتح: ويحك، مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل.
فقال: أحب الرياسة.
فقال المتوكل: نحن خليديه.
قال الفتح: أنا خليدي.
وقال رجل لخالد: يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب.
فقال: بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم.
وقال داود بن علي: لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون: ضرب فلان، وفعل بفلان كذا، فقال لهم: لا تتحدثون عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.
قال المصنف ﵀: فانظروا إلى الشيطان كيف يتلاعب بهؤلاء فيصبرون على شدة الألم ليحصل لهم الذكر ولو صبروا على يسير التقوى لحصل