الوعد بالنصر، وجاءت البشرى بالجنة، فغاب المسلمون في إشراق عجيب من الإيمان لا يرسم في أدهانهم إلا الحور العين ولا يصور في أعينهم إلا الملائكة وقد قذف الله في قلوب المشركين الرعب فانهار السد الغليظ أمام النبع النابض من صخور بدر، وانجاب القتم الكثيف عن النور الوامض من ربوع يثرب، وانكشفت المعجزة الإلهية عن انتصار ثلاثمائة على ما يقرب من ألف جندى من جيش الضلال والشرك ...
غزوة بدر غيرت وجه التاريخ، ومكنت للمسلمين العرب أن يبلغوا رسالة الله، ويؤدوا أمانة الدين، ويصلوا ما انقطع من سلسلة العلم والوحي، لم يكن النصر فيها ثمرة من ثمرة السلاح والكثرة، ولكنه كان ثمرة من ثمرة الإيمان والصدق، قوة من الله فيها الملائكة والروح، وفيها الأمل، والمثل العليا، فيها الحب والإيثار فلا تبالي بالعدد الكثير، ولا ترهب السلاح، ولا تعرف الخطر ...
بهذا الإيمان الصادق خلق الله من الضعف قوة في غزوة بدر والقادسية واليرموك، وبهذا الإيمان الصادق جعل الله من البادية والعروبة عمرانا صادقا طبق الأرض بالخير وملكا نظم الدنيا بالعدل، ودينا ألف القلوب بالرحمة.
بهذا الشعور القدسي، وبهذا اليقين النفسي وقف المسلمون في كل معركة انتصروا فيها عبر التاريخ، فالدعوة المحمدية تتطلب من المسلمين أن يعملوا لدنياهم ولأخراهم فتريدهم أن يكونوا شجعانا فيما يقولون، وفيما يعتقدون، ويفعلون لا يخشون في الله لومة لائم. وليست الشجاعة مقصورة على الحروب والمعارك، فإن الدعوة إلى الحق في عالم ضال شجاعة، والدعوة إلى الإصلاح في أمة فاسدة النظم شجاعة، والاستمساك بالعقيدة شجاعة، مهما أوذي صاحبها، والدفاع عن الدين أو العرض أو الجار المضطهد أو الأجير المظلوم شجاعة، والشجاعة تعد فضيلة لأنها مجازفة بالحياة، والحياة أغلى ما يملك الإنسان. أما الجبن فإنه رذيلة لأن صاحبه يرضى بالذلة والمهانة، ونذير باستمرار الضعف والتخلف والفوضى، إن تاريخ المسلمين لحافل بأعلى