لقد نوه الله سبحانه وتعالى بهذه البعثة الميمونة، والمنة الكبرى التي امتن بها على العالمين، والنفحة الربانية العظيمة، والرحمة المهداة، ألا وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لولا رسالته لما اهتدينا، ولا تحلينا بسائر مكارم الأخلاق، والخلال الحميدة التي سعدنا بها في ديننا ودنيانا أفرادا وأمما.
وضعت هذه الرسالة الإلهية الخالدة حدا فاصلا لعصو الجاهلية وافتتحت عهدا جديدا، عهد النور والعلم، والعدل والمسامحة والإتحاد، ودعا الناس إلى دين واحد، وعبادة إله واحد ...
هيأ الله صاحب الرسالة منذ صغره لحملها، فحلاه منذ نشأته بالعلم الذي لا يشوبه جهل، وبالفضيلة التي لا يعتريها نقص، وبالصدق الذي لا يخالطه كذب، فجمع له غرر الفضائل التي فاق بها الأولين والآخرين، فنهل منها الناس على اختلاف أجناسهم، ولا تزال على حالها منهلا عذبا للواردين من أصحاب اليمين والسابقين، قال تعالى:{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}(سورة النساء).
فقد جمع له من مكارم الأخلاق ما تفرق في غيره من النبيئين والمرسلين وقدمه عليهم بقوله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}(سورة الاحزاب). فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ...
أكرم الله الأمة الإسلامية بخاتم الرسالات الذي زكاه ربه وطهره من أدران الجاهلية، فكان صلوات الله وسلامه عليه يتقلب في أصلاب الساجدين وأرحام الطاهرات حتى برز إلى الوجود، ولم يخرج من سفاح قط كما أخبر هو عن نفسه ...