فميلادك يا سيدي يا رسول الله كان حادثا سعيدا على البشرية جمعاء، اهتز له الكون، وطربت السماء، وهتفت له الملائكة وابتهجت به الرسل، وتغنت به الأطيار من فوق أيكتها، وعمت الناس البهجة والسرور، ومادت الأرض فرحا بأمر ربها وأصغى الكون لما ترتله عليه من الآيات الباهرات ...
فها هي رسالتك - يا رسول الله- يكتب لها الخلود على الأبد، ودعوتك تخرق الحجب الكثيفة، وتغذي العباد في كل زمان ومكان وأينما حلت تزيل الظلام والشرك من طريقها، وتعصف بالظلم والظالمين، ولا زالت تغزو المجاهل والأغوار والأدغال، والصحاري والبحار فتثير القلوب الهامدة، وتهيب بها إلى التوحيد فتنقذها من رذيلة الشرك والشك، وتزيل عنها الحيرة والضلال، وترفع عنها الإلتباس والغموض، لا زال الناس يسيرون على هديها المستقيم وطريقها الأمثل بعدما مضى عليها أربعة عشر قرنا من بعثتك الميمونة، وصيحتك المدوية في الآفاق لا زالت ترن في الآذان إلى الآن وإلى الغد ...
سيدي يا رسول الله- سيرتك العطرة لا زالت غظة طرية لم يجد لها الزمان بديلا، فأخلاقك العليا التي شهد لك بها التنزيل لا زالت محل اندهاش وإعجاب من طرف الأجيال المتعاقبة التي جاءت من بعدك، وفي مقدمتهم العباقرة والفلاسفة والعلماء، بل أصبحت شمسا منيرة في كل قلب طاهر نقي اللهم إلا ما كان من قلب حاسد فأعمى بصره وبصيرته، نورك الوهاج فهو لا يبصر النور كالخفافيش التي تعيش في الظلام، هكذا صاغك ربك ظاهرا وباطنا فكنت سر الوجود.
فمنهاجك الرباني طهر النفوس من دياجير الشرك، وأنارها بالتوحيد فرجعها إلى فطرتها السليمة التي فطر الله الناس عليها، وقام صرح العدل شامخا، فأصبح الناس سواسية في هذه الحياة لا تفاضل بينهم إلا بالعمل الصالح النافع للبلاد والعباد، لا زال هو المنهج الوحيد الذي يكرم الإنسانية، ويحفظها من شوائب الظلم والطغيان، لم يرق إليه أي منهج من مناهج الناس الكثيرة بعدما تقدم العلم وصال الفكر في مجال العلوم