للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (سورة المؤمنون) السلالة هي صفة ماء مني آدم وهو من طين، أو السلالة هي أصل الإنسان، وهي السلسلة التي يمتد بها أصل الشيء حتى يصل ما بين مبدئه وغاياته، والآية الكريمة تشير إلى أن الإنسان في تكوينه وتطويره وخلقه قد مر بأطوار كثيرة بين عالم التراب والنبات وسار مسيرة طويلة في سلسلة منتظمة الحلقات من الطين إلى الحمأ المسنون كما قال سبحانه وتعالى على لسان إبليس لعنه الله {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (سورة الحجر) قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}.

ما الإنسان إلا هذه النطفة وما اشتملت عليه من قوة عاقلة ناطقة مبصرة سميعة مريدة. كانت النشأة الأولى لهذا الإنسان من التراب، وفي هذا التراب كانت تكمن جرثومته الأولى كما تكمن النطفة في قرار مكين، ولكن شتان ما بين الجرتومة التي تكمن في التراب والنطفة التي تستقر في الرحم، فالجرتومة من مادة التراب والنطفة كائن بشري. وفي مواجهة المراحل الكثيرة التي مر عليها الإنسان كان كالنبات حيث تخرج الحبة نباتا مثل النبات جاءت منه النطفة التي خلق منها الإنسان وإن بدت في مرأى العين مجرد ماء فهي في حقيقتها ماء مشوب بأشياء أخرى أودعتها فيه قدرة الله جل وعلا، كما أودعت في البذرة صورة الشجرة ولون زهرها، وطعم ثمرها كذلك هذه النطفة قد حملت في كيانها صورة الإنسان ولهنه ومستوى إدراكه، ومستودع عواطفه ومشاعره بحيث يتميز كل إنسان على غيره من بني جنسه في طباعه وعواطفه. قال تعالى في سورة الإنسان: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. الأمشاج هي الأخلاط مزج الشيء خلطه. خلق الإنسان للإبتلاء، ولم يخلق عبثا لأنه حمل أمانة التكليف التي لم تستطع السماوات والأرض حملها فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحمالها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.

<<  <   >  >>