للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين فإن في قلوبهم من محبة الله ما لا يماثلها فيها غيرها، ولهذا كان الرب محمودا حمدا مطلقا على كل ما فعله، حمدا خاصا به فهذا حمد الشكر، أما حمد الفعل فهو خلق السماوات والأرض وما بينهما، والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة، فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود، ولا يكون حمد إلا بحب المحمود، ولهذا كانت العبادة مشتملة على تحميده وتوحيده وأفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله، الله سبحانه وتعالى له الملك المطلق، وحقيقة الملك إنما يتم بالعطاء والمنع، والإكرام والإهانة، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة آل عمران ٢٦ - ٢٧).

وقال: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (سورة الرحمن ٢٧). يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويكشف غما، وينصر مظلوما ويأخذ ظالما ويفك عانيا ويغني فقيرا ويجبر كسيرا، ويشفي مريضا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويعطي سائلا، ويذهب بدولة ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الناس يرفع أقواما ويضع آخرين، يسوق المقادير التي قدرها إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصى كتابه وجرى به قلمه، ونفذ فيه حكمه، وسبق له علمه، فهو المتصرف في الملك كله وحده تصرف مالك قادر قاهر عادل رحيم تام الملك لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارض فيه معارض، فتصرفه في الملك دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة، والرحمة، فلا يخرج تصرفه عن ذلك.

الملك والحمد في حف الله تعالى متلازمان، فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده، فهو محمود في ملكه، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته، فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به حمد شكر وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك.

<<  <   >  >>