للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتبارك الله يشمل ذلك كله، ولهذا ذكر هذه الكلمات عقب قوله {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأعراف ٥٣). يجب على المؤمن أن يعرف الطريق الموصلة إلى الله عز وجل وهي شريعته المنتظمة لأمره ونهيه، ثم تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم، فأعرف الناس بالله عز وجل أتبعهم للطريق الموصل إليه وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه، قال تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (سورة غافر). وقال تعالى أيضا: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (سورة الشورة ٥٠). ولا روح إلا فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا نور إلا في الإستضاءة به، وسماه الله شفاء قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (سورة فصلت ٤٣).

إن عبادة الله تبنى على قاعدتين أساسيتين: هما حب لله كامل، وذل تام له. ومنشأ هذين الأصلين هي النعمة الكبرى التي امتن الله بها على عباده، وهي بعثة سيدنا - صلى الله عليه وسلم - بهذه الرسالة العظيمة الخالدة الخاتمة لجميع الرسالات السماوية ...

وإذا بنى المسلم سلوكه على محبة الله تعالى، وخضوع تام له، لم يظفر به الشيطان إلا على غرة وغيلة، وما أسرع ما ينعشه الله عز وجل، ويتداركه برحمته. وإنما تستقيم له محبة الله باستقامة قلبه وجوارحه، والاستقامة تكون بسببين: إحداهما أن تتقدم محبة الله على جميع محاب الدنيا، وإذا تعارض حب الله مع حب غيره، فيجب أن يسبق حب الله على غيره، وما أسهل هذا بالكلام والإدعاء وما أصعبه بالفعل!، ونحن نتكلم عن محبة الله دائما، فإذا تعارضت مع مصالحنا الدنيوية وشهواتنا وأهوائنا قدمناها على محبة الله، وهذا هو الواقع في المسلمين الحاضرين إلا القليل الذين يقدمون محبة الله وقليل ما هم، فإن محبة الله لم تكن متمكنة

<<  <   >  >>