للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المتقدمون من الحنفية فكانوا يقولون أولاً بغلبة الظن والاجتهاد في طلب الطاهر من الماء إذا خالطته النجاسة، فما غلب في الظن أن النجاسة وصلت إليه لم يجز استعماله، ثم جعلوا تحرك أحد الطرفين بتحرك الطرف الآخر جهة تغلب الرأي في بلوغ النجاسة إليه (١)، ثم اختلفوا في المعتبر من التحريك –كما سبق-، ثم استقر قول المتأخرين على أن الغدير العظيم يقدر بالمساحة لموجب التوسعة على الناس (٢).

وتبين مما سبق أن الغدير العظيم عند الحنفية حد فاصل بين الماء القليل والكثير، وكذلك يعتبر فاصلاً بين الماء الراكد والجاري أو ما في حكم الجاري.

فالحنفية يرون أن الماء القليل الراكد إذا وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به، قليلاً كانت النجاسة أو كثيراً لحديث المستيقظ من منامه، وحديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه"، وسيأتي تخريجهما (٣).

بخلاف الماء الكثير أو ما في حكم الجاري مثل الغدير العظيم المقدر بعشرة أذرع في عشرة أذرع، لكن إن كانت النجاسة مرئية لا يتوضأ من موضع النجاسة، بل من الجانب الآخر، وإن كانت غير مرئية يتوضأ من جميع الجوانب، وكذا من موضع غُسالته، ثم استقر القول بجواز الوضوء من جميع جوانب الغدير توسعة لأمر الناس (٤).

دراسة المسألة دراسة مقارنة

تحرير محل النزاع:

اتفق العلماء على أن الماء إذا وقعت فيه النجاسة وتغير أحد أوصافه (اللون أو الطعم أو الرائحة) فإنه نجس، سواء كان كثيراً أم قليلاً (٥).


(١) شرح مختصر الطحاوي للجصاص، ١/ ٢٤٩.
(٢) ينظر: البحر الرائق، ١/ ٧٩، مجمع الأنهر، ١/ ٢٩.
(٣) ص: ٧٣.
(٤) شرح الوقاية ومعه منتهى النقاية، ٢/ ٤٨، تحفة الفقهاء، ص: ٥٥ - ٥٦.
(٥) الإجماع لابن المنذر، ص: ٣٥، رقم ١١.

<<  <   >  >>