للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يغلب على الظن من النقولات أن صنعة الجورب قد تطورت أو تغيرت، فما كان يُصنع منه في زمن الإمام لم يكن قابلاً للمشي فيه إلا إذا كان منعلاً أو مجلداً بخلاف ما كان في زمانهما، ويؤيد ذلك تعليقهم الحكم على المشي فيه لا على ما صُنع منه (١).

ولو عُلق الحكم على المصنوع منه فإن الخف والجورب بينهما شبه كبير جداً قد يصل إلى درجة التطابق -كما سبق-، والخلاف حينئذ لا يتصور إلا عند من يرى غير ذلك.

ومن علَّق الحكم بالمصنوع منه فالجورب عنده ما يكون على شكل الخف لكن من غير جلد (٢)، وعليه فالخف أعم من الجورب، إذ الجورب يُصنع من كل ما يُصنع منه الخف إلا الجلد.

ومع هذا روي أن أبا حنيفة رجع إلى قول صاحبيه، وعليه الفتوى (٣)، وقد استقر الحكم على ذلك (٤).


(١) بدائع الصنائع، ١/ ١٣. ويؤيده أيضًا ما روى الدولابي في الكنى والأسماء (٢/ ٥٦١) من طريق أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي، أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان، حدثنا الأزرق بن قيس قال: رأيت أنس بن مالك أحدث، فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خُفان، ولكن من صوف. وصحح سنده أحمد شاكر وقال: إنه موقوف على أنس، من فعله وقوله، ووجه الدلالة فيه أنه لم يكتفِ بالفعل، بل صرَّح بأن الجوربين خفان، لكنهما من صوف، وهو صحابي من أهل اللغة قبل دخول العجمة واختلاط الألسن. وقد بيَّن أن معنى الخف أعم من أن يكون من الجلد وحده، وقوله هذا أقوى حجة من أن يقول مثله مؤلف من مؤلفي اللغة؛ لأنهم ناقلون للغة، وأكثر نقلهم من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء، وقول الصحابي العربي من الصدر الأول بإسناد صحيح أولى أن يحتج به. وهذا يفيد أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة الخفين بدلالة الوضع اللغوي قبل أن يدخلا بالقياس. (ينظر: مقدمة كتاب المسح على الجوربين لمحمد جمال الدين القاسمي، ويليه إتمام النصح في أحكام المسح للألباني، ص: ١٣ - ١٥). قلت: وأقره على ذلك الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- إذ لم يعترض على كلامه كما اعترض عليه في مواضع أخر.
(٢) قلت: ويرده أثر أنس بن مالك السابق، وإن الخف كان من الجلد في الغالب.
(٣) الهداية، ١/ ٣٢، الاختيار، ١/ ٢٥.
(٤) مجمع الأنهر، ١/ ٥٠.

<<  <   >  >>