للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرطبي (١)، وغيرهم، إلى أنه يحتمل أن يكون بعض الرواة قد نقله بهذا اللفظ - (على صورة الرحمن) - بناءً على ما وقع في قلبه من معناه.

ولكن هذا الاحتمال باطل عارٍ من الدليل، فلا ترد بمثله الأحاديث، ومنشأ هذا الاحتمال هو استبعاد عود الضمير على الله تعالى، لأن هذا على مذهبهم يلزم منه تشبيه الله تعالى بخلقه، ولكن هذا اللازم غير مسلم كما سيأتي.

[الخلاصة]

أن هذا الحديث -وهو حديث ابن عمر- صححه جمع من أهل العلم كإسحاق وأحمد والحاكم وابن تيمية والذهبي وابن حجر وغيرهم، وذكروا له شواهد تعضده وتقويه، وضعفه آخرون كابن خزيمة والمازري، وتبعهم في ذلك الألباني فأعله ابن خزيمة بثلاث علل، وزاد عليها الألباني علة رابعة تمت الإجابة عنها فيما تقدم، والله أعلم.

القول الثالث: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله عز وجل وتكون إضافة الصورة إلى الله تعالى من باب إضافة المخلوق إلى خالقه كما في قوله تعالى: {نَاقَةُ اللَّهِ} وكما يقال في الكعبة: بيت الله ... وهكذا.

وبهذا جزم ابن خزيمة رحمه الله -بناءً على افتراض صحة حديث (على صورة الرحمن) - فقال بعدما أعل الحديث بما تقدم: "فإن صح هذا الخبر مسندًا بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت، وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح، وصح أنه عن اين عمر -على ما رواه الأعمش- فمعنى هذا الخبر عندنا: أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه، لأن الخلق يضاف إلى الرحمن، إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: ١١]،


(١) نقل ذلك عنه الحافظ في الفتح (٥/ ١٨٣).

<<  <   >  >>