للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترتاع له، حتى ضربوا مشارق الأرض ومغاربها بحثًا عن سبب ذلك، فلما رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسمعوا القرآن عرفوا أن هذا هو الذي حال بينهم وبين خبر السماء، وكان ذلك من آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- ودلائل نبوته.

قال ابن قتيبة: "الرجم قد كان قبل مبعثه، ولكنه لم يكن مثله الآن في شدة الحراسة ... وكانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بعث منعت من ذلك أصلًا" (١).

[مناقشة الأقوال المرجوحة]

أما القول الثاني وهو: أن الرمي بالشهب لم يكن إلا قبيل مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو تحديد يفتقر إلى دليل، لا سيما وأن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ ) يستفاد منه حصول ذلك في مطلق الجاهلية، إذ لم يقيده النبي -صلى الله عليه وسلم- بزمن معيَّن.

وأما القول الثالث وهو: أن المراد بالجاهلية في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ ): جاهلية المخاطبين؟ ! فالجواب عنه كالجواب عن القول السابق.

وأما القول الرابع وهو: أن الرمي بالشهب لم يكن إلا بعد مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما قبله فلا، فيرده حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ ) لأنه صريح في وجود الرمي بالشهب قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام.

وأما ما احتجوا به فيمكن الإجابة عنه كما يلي:

- أما استدلالهم بقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب)، وكذا قوله في الحديث الآخر: (ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك)، فالجواب عنه: أن هذا محمول -كما تقدم- على أن الرمي بالشهب


(١) تأويل مشكل القرآن (٤٣٠).

<<  <   >  >>