للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يكن قبل المبعث مثله بعد المبعث، حيث كان قبل المبعث خفيفًا متقطعًا، وأما بعد المبعث فكان شديدًا دائمًا، كما قال تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩)} [الصافات: ٨، ٩] أي: دائم.

ومثل هذا يقال في الآيات التي استشهدوا بها، كقوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: ٩]، فهي محمولة على أن الرمي بعد المبعث غُلِّظ فيه وشدد، وبهذا صرح الزهري رحمه الله تعالى، عندما اعتُرض عليه بهذه الآية، حيث قال: غلظ وشدد أمرها حين بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- (١).

بل إن بعض أهل العلم قد استدل بهذه الآية على وجود الرجم في الجاهلية:

قال ابن عطية عند هذه الآية: "هذا يقتضي أن الرجم كان في الجاهلية، ولكنه لم يكن يستأصل، وكان الحرس، ولكنه لم يكن شديدًا، فلما جاء الإسلام اشتد الأمر، حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة" (٢).

- وأما استدلالهم على هذا القول بالشعر، حيث قالوا: إن الرمي بالشهب لم يكن مذكورًا في أشعار أهل الجاهلية، مما يدل على عدم وجوده، فالجواب عنه: أنه معارض بمثله، حيث ثبت وجوده في أشعارهم، وقد تقدم ذكر شيء من ذلك (٣).

ثم إن هذا الاستدلال لا تُرد بمثله الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم.

* * *


(١) تقدم ص (٤٦٣).
(٢) المحرر الوجيز (١٦/ ١٣٥ - ١٣٦)، وانظر: شرح مشكل الآثار (٨/ ٥٨٨).
(٣) انظر: ص (٤٦٣ - ٤٦٤) من هذا البحث.

<<  <   >  >>