الذي يظهر رجحانه -والله تعالى أعلم بالصواب- هو القول الأول، وهو أن هذا الرجل كان جاهلًا بقدرة الله تعالى عليه بعد حرقه وطحنه وتفرق أجزائه، فأوصى أن يفعل به ذلك، ظنًا منه أنه سيعجز الله تعالى بهذه الحيلة، وذلك لا يوجب كفره ولا خروجه من الإيمان، ولذلك غفر الله له لجهله وخشيته وخوفه.
ولا يعني هذا أنه كان جاهلًا بصفة القدرة مطلقًا -جملة وتفصيلًا- فهذا بعيد لدلالة الشرع والعقل عليها، فهو مؤمن بمطلق القدرة، لكنه جاهل بقدرة الله المطلقة، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه ما شاء كان، وأنه على كل شيء قدير، إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون، ولذا لم يقل مثلًا: إذا مت فادفنوني، لأنه يعلم أن الله قادر عليه حينئذ.
ومثل هذا يقال في البعث، فهو لم ينكر البعث مطلقًا، وإنما شك في قدرة الله على بعثه وهو على هذه الحال، ولذا لم يترك أولاده بدون وصية، لأنه يعلم أن مصيره حينئذٍ إلى البعث والحساب، فهرب من هذا بهذه الوصية، خشية من الله تعالى.
والحاصل أن هذا الرجل عنده إيمان مجمل بقدرة الله تعالى، لكنه شك في بعض متعلقاتها لجهله بها، ومن أطلق القول بجهله -من أهل العلم- فهذا مراده، والله تعالى أعلم.
قال ابن تيمية: "هذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذري، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك.