للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو يعلى: "وأما قوله: (لئن قدر علي ربي ليعذبني) فلا يمكن حمله على القدرة، لأن من توهم ذلك لم يكن مؤمنًا بالله -عز وجل- ولا عارفًا به، وإنما ذلك على معنى قوله تعالى في قصة يونس: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، وذلك يرجع إلى معنى التقدير، لا إلى معنى القدرة، لأنه لا يصح أن يخفى على نبي معصوم ذلك ...

فعلى هذا يحمل قوله: (لئن قدر علي ربي ليعذبني) أي: إن كان قدر: أي حكم علي بالعقوبة فإنه يعاقبني دائمًا" (١).

القول الرابع: أن هذا الرجل غلب عليه الخوف والجزع، فقال هذا الكلام وهو لا يدري ما يقول، فهو كالرجل الذي قال: (أللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) (٢)، والله لا يؤاخذ إلا بما عقد عليه القلب، لا بما سها أو غلط به اللسان.

اختار هذا القول القرطبي (٣) وابن حجر وغيرهما (٤).

قال ابن حجر: "وأظهر الأقوال: أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه، حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدًا لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه" (٥).

القول الخامس: أن هذا الرجل قد كفر بمقالته هذه، لكنه في زمن شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر، وهذا بخلاف شريعتنا فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨]، ففي شريعتنا أن من مات كافرًا فإنه لا يغفر له (٦).


(١) إبطال التأويلات (٢/ ٤١٨).
(٢) أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- (١٧/ ٦٩) ح (٢٧٤٧).
(٣) انظر: المفهم (٧/ ٧٧، ٧٩).
(٤) انظر: كشف المشكل (٣/ ١٥٧)، والمفهم (٧/ ٧٦ - ٧٧)، وشرح النووي على مسلم (١٧/ ٧٦)، وطرح التثريب (٢/ ٢٦٧).
(٥) فتح الباري (٦/ ٥٢٣).
(٦) انظر: كشف المشكل (٣/ ١٥٧)، وشرح النووي على مسلم (١٧/ ٧٧)، وطرح التثريب (٢/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>