للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الترجيح]

الذي يترجح -والله تعالى أعلم- القول الأول، وهو أن مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا) غير ما أثبته أبو هريرة لنفسه، فالرسول ينفي الخلة من جانبه لأحد من المخلوقين، حيث أخلصها لله تعالى، وأما أبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- فإنه يثبت الخلة التي من جانبه هو للرسول -صلى الله عليه وسلم-، أي: أن محبته للرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بلغت أعلاها وأكملها، وهي درجة الخلة، ولا يلزم من هذا حصول الخلة من الجانب الآخر.

قال القرطبي: "قد عاب بعض الطاعنين على أبي هريرة قوله: (خليلي) في النبي -صلى الله عليه وسلم-، بناءً على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتخذه ولا أحدًا من الخلق خليلًا، وهذا إنما وقع فيه قائله ظنًا أن (خليل) بمعنى: مخالل، من المخاللة التي لا تكون إلا من اثنين، وليس الأمر كذلك، فإن خليلًا مثل حبيب، لا يلزم فيه من المفاعلة شيء، إذ قد يُحَبُّ الكارِه" (١).

وقال المعلمي: "النبي -صلى الله عليه وسلم- خليل كل مؤمن، وإن لم يكن أحد من الخلق خليلًا له -صلى الله عليه وسلم-، لقوله: (لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر)، والخليل كالحبيب، فكما أنه لا يلزم من كون إنسان حبيبك أن تكون حبيبه، فكذلك الخليل، والخلة أعظم من المحبة، فلا يلزم من نفي الخلة نفي المحبة" (٢).


(١) المفهم (٢/ ٣٦٠)، وانظر: فتح الباري (٣/ ٥٧).
(٢) الأنوار الكاشفة (١٧٠).

<<  <   >  >>