للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثيل له من الصبر، فهو صبر من كامل القوة، عظيم القدرة والبطش، في مقابلة غاية الإساءة والأذية من الخلق، الذين نواصيهم بيد الله، وليس لهم خروج عن قدرته، وأقواتهم وأرزاقهم وجميع ضروراتهم وحاجاتهم متعلقة بالله، ليس لشيء منها حصول إلا من جوده وخزائنه، ومع ذلك فهو يعافيهم ويرزقهم، ولا يقطع عنهم برَّه في جميع اللحظات، ومع ذلك يفتح لهم أبواب التوبة، ويسهل لهم طرقها، ويدعوهم إليها، ويخبرهم أنهم إن تابوا محا عنهم الخطايا العظيمة، وأدرَّ عليهم النعم الجسيمة، فسبحان الحليم الصبور" (١).

وصبر الله تعالى قريب من معنى حلمه، بل ذهب بعضهم إلى أنهما بمعنىً واحد (٢).

قال الزجاج: "أصل الصبر في الكلام الحبس، يقال: صبرته على كذا صبرًا، إذا حبسته، ومعنى الصبر والصبور في اسم الله تعالى، قريب من معنى الحليم" (٣).

وقال ابن القيم: "لما كان اسم الحليم أدخل في الأوصاف، واسم الصبور في الأفعال، كان الحلم أصل الصبر، فوقع الاستغناء بذكره في القرآن عن اسم الصبور، والله أعلم" (٤).

[والفرق بين الصبر والحلم]

١ - أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، فالحلم في صفات الرب تعالى أوسع من الصبر.


(١) المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي (٧/ ٢١).
(٢) انظر: تهذيب اللغة (١٢/ ١٢٢) مادة (صبر)، ومشكل الحديث لابن فورك (٥٠٩)، وشرح النووي على مسلم (١٧/ ١٥٢).
(٣) تفسير أسماء الله الحسنى (٦٥)، وانظر: النهاية في غريب الحديث (٣/ ٧)، وإيثار الحق لابن الوزير (١٧٥)، وفتح الباري (١٣/ ٣٦١).
(٤) عدة الصابرين (٤٢٥).

<<  <   >  >>