للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أن الحلم صفة ذاتية لله تعالى لا تزول، وأما صبره تعالى فمتعلق بكفر العباد وشركهم وأنواع معاصيهم، فإذا زال متعلقه كان كسائر الأفعال التي توجد لحكمة وتزول بزوالها (١).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وإذا أردت معرفة صبر الرب تعالى وحلمه، والفرق بينهما، فتأمل قوله تعالي: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)} [فاطر: ٤١].

ففي الآية إشعار بأن السماوات والأرض تهم وتستأذن بالزوال، لعظم ما يأتي به العباد، فيمسكهما بحلمه ومغفرته، وذلك حبس عقوبته عنهم، وهو حقيقة صبره تعالى.

فالذي صدر عنه الإمساك هو صفة الحلم، والإمساك هو الصبر، وهو حبس العقوبة، ففرق بين حبس العقوبة، وبين ما صدر عنه حبسها، فتأمله" (٢).

وأما أذية الله تعالى الواردة في الحديث، فقد جاء تفسيرها في آخره، وذلك بنسبة الولد له سبحانه، مع أنه الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وقد بيَّن الله تعالى في كتابه عظم هذا القول وشناعته فقال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)} [مريم: ٨٨ - ٩١]

ومثل هذا الحديث ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله عزَّ وجلَّ: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) (٣).

وجاء في البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله: كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله: لي


(١) انظر: عدة الصابرين (٤٢٠ - ٤٢١).
(٢) عدة الصابرين (٤٢٢).
(٣) متفق عليه: البخاري (٤/ ١٨٢٥) ح (٤٥٤٩)، ومسلم (١٥/ ٥ - ٦) ح (٢٢٤٦).

<<  <   >  >>