للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبةً أو ولدًا) (١).

ولا يلزم من وقوع الأذية حصول الضرر، فالله تعالى يؤذيه ما يقال فيه من قبيح الكلام، وما يقابل به من سيء الأفعال، لكنه لا يتضرر بذلك، ولذا أثبت الله تعالى الأذى في كتابه، ونفى الضرر فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)} [الأحزاب: ٥٧]، وقال: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: ١٧٦].

وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا) (٢).

قال ابن تيمية تعليقًا على الآية السابقة: "فبيَّن سبحانه أن الخلق لا يضرونه، لكن يؤذونه إذا سبوا مقلب الأمور" (٣).

ومما يحسن التنبيه عليه أن حصول الأذية له سبحانه، إنما يقع بمشيئته وإرادته، حسب ما تقتضيه حكمته، فلا يقع في ملكه إلا ما يشاء، لا مُكْرِه له سبحانه.

قال ابن تيمية: "وكل الذين يؤذون الله ورسوله هو الذي مكنهم، وصبر على أذاهم بحكمته، فلم يفتقر إلى غيره، ولم يخرج شيء عن مشيئته، ولم يفعل أحد ما لا يريد" (٤).


(١) صحيح البخاري (٤/ ١٦٢٩) ح (٤٢١٢).
(٢) مسلم (١٦/ ٣٦٨) ح (٢٥٧٧).
(٣) نقلًا عن تيسير العزيز الحميد (٦٠٧)، وانظر: القول المفيد للعثيمين (٢/ ٢٥٣، ٣٥٦).
(٤) مجموع الفتاوى (١١/ ٣٦٠ - ٣٦١).

<<  <   >  >>