للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الترجيح]

الذي يظهر رجحانه -والله تعالى أعلم بالصواب- ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو أن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ولدت الأمة ربها) أي: سيدها، وصورة ذلك: أن يستولد السيد أمته ومملوكته، فيكون ولده منها بمنزلة ربها وسيدها، لأنه كأبيه في الحسب، وولد السيد بمنزلة السيد.

وفي هذه العلامة إشارة إلى كثرة الفتوحات الإسلامية ووقوع السبي وفشو النعمة وظهورها في الناس حيث تكثر السراري.

وقد وجه الحافظ ابن حجر اعتراضًا على هذا القول فقال: "لكن في كونه المراد نظر، لأن استيلاد الإماء كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره في صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة" (١).

والجواب عن هذا الاعتراض: أنه وإن تقدم وقوع هذا فإنه لا يخرج عن كونه علامة من علامات الساعة، فإن بداية الأشراط متقدمة، لا سيما وأن بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- تعتبر منها فقد جاء في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، قال: وضم السبابة والوسطى (٢).

قال القرطبي: "أولها النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه نبي آخر الزمان، وقد بعث


(١) الفتح (١/ ١٢٢).
(٢) البخاري (٥/ ٢٣٨٥) ح (٦١٣٩)، ومسلم واللفظ له (١٨/ ٣٠٠) ح (٢٩٥١).

<<  <   >  >>