الذي يترجح -والله تعالى أعلم بالصواب- القول الخامس، وهو أن الأشدية نسبية، أي: أن المصورين أشد الناس عذابًا بالنسبة للعصاة، لا بالنسبة لجميع الناس -أي: أشد العصاة عذابًا- لأن النصوص يفسر بعضها بعضًا، وقد دلت نصوص الشريعة على أن المذنب لا يكون أشد عذابًا من الكافر، وأن المعصية مهما عظمت فإنها لا تكون أعظم من الشرك والكفر بالله تعالى.
قال الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)} [النساء: ٤٨]، فهذه الآية -ونظائرها- تدل على أن سائر الذنوب التي هي دون الكفر والشرك -والتي من جملتها التصوير- تكون تحت المشيئة، بخلاف الشرك والكفر، فإن الله تعالى لا يغفره، مما يدل على أنه أعظم ذنبًا وأشد عذابًا.
وقد روى الطبري في تفسيره عن عبد الله بن عمرو أنه قال:"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة: من كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون"(١).
قال القرطبي: "تصديق ذلك في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[النساء: ١٤٥]، وقال تعالى في أصحاب المائدة:{فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}[المائدة: ١١٥]، وقال
(١) جامع البيان (٥/ ١٣٦)، وانظر: معالم التنزيل (٢/ ٧٨)، وتفسير القرآن العظيم (٢/ ١٨٧).