للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الترجيح]

لا ريب أن المسلك الأول هو المسلك الجاري على قواعد أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وذلك بحمل الحديث على ظاهره، وإثبات التردد صفة لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.

ومن أوَّل الحديث معتقدًا تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، فقد أساء الأدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأنه هو الذي وصفه بذلك، وهو أعلم الناس بربه، كما أنه ليس أحد أفصح لسانًا ولا أحسن بيانًا ولا أنصح للأمة منه، عليه الصلاة والسلام، فيجب أن يصان كلامه عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة (١).

فإذا كان تردد المخلوق معناه: "التوقف عن الجزم بأحد الطرفين" (٢)، فإن هذا المعنى لا يدل عليه الحديث، لأن الحديث صريح في الجزم بأحد الطرفين، حيث قال: (وما ترددت في شيء أنا فاعله) أي: سأفعله ولا بد، لأنه تعالى قد قضى على عباده بالموت، فقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]، يؤيد ذلك أنه قد جاء في بعض طرق الحديث، بعد قوله: (يكره الموت، وأكره مساءته) زيادة: (ولا بد له منه) (٣).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٢٩).
(٢) قطر الولي (٤٨٨).
(٣) جاءت هذه الزيادة في طريق أنس -رضي الله عنه-. وأشار الحافظ في الفتح (١١/ ٣٤٦) إلى أنها جاءت من طريق: "ابن مخلد عن ابن كرامة" يريد محمد بن مخلد -، [انظر: ترجمته في تهذيب الكمال (٢٦/ ٩٧)]- وهو في إسناد أنس -رضي الله عنه-، كما في حلية الأولياء (٨/ ٣١٨)، وهو غير خالد بن مخلد الذي روى عنه ابن كرامة هذا =

<<  <   >  >>