للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناقشة الأقوال المرجوحة]

أما القول الثاني: وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عبَّر بالشك على معنى: التفاوت بين الإيمان والاطمئنان، لا أنه أراد حقيقة الشك، لأن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كان موقنًا بلا ريب، فقول لا تسعفه اللغة، لأن معنى الشك -كما تقدم (١) -: التردد بين شيئين، بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر، فهو نقيض اليقين.

وأما القول الثالث: وهو أن الخليلين -عَلَيْهِم السَّلَامُ- إنما شكَّا في إجابة الله تعالى لمَّا سألا، فليس في الآية والحديث ما يدل عليه، والله أعلم.

ومثله ما قيل في أن سبب سؤال إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وطلبه من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى: ليتبيَّن خلته ومنزلته عند الله تعالى، إذ ليس في الآية ما يدل عليه، وإنما الآية دالة على ما تقدم من أن سؤاله كان عن كيفية الإحياء ليزداد بذلك إيمانًا ويقينًا واطمئنانًا، ويترقى بذلك من علم اليقين إلى عين اليقين.

قال الشيخ ابن عثيمين -رَحِمَهُ الله-: "إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عنده خبر اليقين بأن الله قادر، لكن يريد عين اليقين، ولهذا جاء في الحديث: (ليس الخبر كالمعاينة) (٢)، وقد ذكر العلماء أن اليقين ثلاث درجات: علم، وعين، وحق، كلها موجودة في القرآن:

مثال "علم اليقين": قوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)} [التكاثر: ٥].

ومثال "عين اليقين ": قوله تعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)} [التكاثر: ٧].

ومثال "حق اليقين": قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)} [الواقعة: ٩٥] " (٣).


(١) انظر: ص (٣٩٩) من هذا البحث.
(٢) حديث صحيح، تقدم تخريجه ص (٤٠٤).
(٣) تفسير القرآن الكريم (٣/ ٣٠٣ - ٣٠٤).

<<  <   >  >>