للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المسلك الثاني: وهو القول بنسبة الشك إلى إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وادعاء أن ذلك لعارض عرض له من الشيطان؟ ! فقد تقدم بيان بطلانه، وأما ما استند إليه الطبري في ترجيح هذا القول، فيمكن الإجابة عنه كما يلي:

- أما استناده إلى ما رواه عن ابن عباس -رضي الله عنه-، من أنه قال في قوله تعالى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}: "ما في القرآن آية أرجى عندي منها" فاستناد في غير محله، لأن كلام ابن عباس هذا غير صريح في نسبة الشك لإبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ولذا قال ابن عطية بعدما ذكر أن الطبري ترجم في تفسيره بقوله: "وقال آخرون: قال ذلك لربه، لأنه شك في قدرة الله تعالى" (١)، وأنه أدخل تحت هذه الترجمة قول ابن عباس وقول عطاء، قال ابن عطية: "وما ترجم به الطبري عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة متأوَّل" (٢).

- وأما قول عطاء: "دخل قلبَ إبراهيم بعضُ ما يدخل قلوب الناس"، فإنه وإن كان أقرب من قول ابن عباس لهذا المعنى، إلا أنه ليس صريحًا فيه، بل هو محتمل له ولغيره، ولذا قال ابن عطية عنه: "معناه: من حُبِّ المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به" (٣).

وعلى فرض صحة هذين الأثرين وصراحتهما في نسبة الشك لإبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فإنه لا يُعوَّل عليهما، لأنها أقوال يستدل لها، لا بها، خاصة في مثل هذا الأمر الذي هو كفر، لا يشك مسلم في عصمة الأنبياء منه.

قال أبو عبد الله القرطبي: "لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك، فإنه كفر، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث" (٤).


(١) انظر: جامع البيان (٣/ ٥١).
(٢) المحرر الوجيز (٢/ ٣٠٢)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٩٨)، وفتح القدير (١/ ٢٨١).
(٣) المحرر الوجيز (٢/ ٣٠٢)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٩٨).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٩٩)، وانظر: ما تقدم من كلام ابن حزم وابن عطية في أول هذا المطلب.

<<  <   >  >>