للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال]

اختلف أهل العلم في معنى قوله: (وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) على قولين:

الأول: أن المراد به ضرب مثل لكرم الله وجوده على عبده، ومعناه: أن العبد إذا تقرب إلى الله تعالى بالطاعة والأعمال الصالحة، تقرب الله إليه بالثواب والرحمة والكرامة ومضاعفة الأجر، أو زاده قربًا إليه، فمثَّل القليل من الطاعة بالشبر -أي قدر شبر- والزيادة عليه بالذراع، وبذل الجهد من الطاعة بالمشي، وقابل كلًا منها بما هو أقوى وأزيد، تكرمًا منه وفضلًا.

وعليه، فلا يؤخذ من هذا الحديث إثبات الهرولة صفة لله تعالى.

وهذا التفسير للحديث هو ظاهر كلام قتادة -رحمه الله تعالى- حيث قال بعد روايته لهذا الحديث: "والله أسرع بالمغفرة" (١).

كما أنه مروي عن الأعمش (٢) وهو قول إسحاق بن راهويه وابن قتيبة


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (١٩/ ٣٩٧)، وحكم المحقق -شعيب الأرنؤوط- على إسناده بالصحة، وأخرجه أيضًا البغوي في شرح السنة (٥/ ٢٣)، وقال عنه: "صحيح"، وانظر: إبطال التأويلات (٢/ ٤٥٠).
(٢) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي، شيخ المقرئين والمحدثين، ثقة حافظ، كان من أقرأ الناس للقرآن، وأعرفهم بالفرائض، وأحفظهم للحديث، رأى أنس بن مالك وحدَّث عنه، لكنه مع إمامته كان مدلِّسًا، توفي رحمه الله سنة ثمان وأربعين ومائة (١٤٨ هـ)، وقيل غير ذلك. [انظر: تاريخ بغداد (٩/ ٤)، والسير (٦/ ٢٢٦)، وتذكرة الحفاظ (١/ ١٥٤)، وتقريب التهذيب (١/ ٣٩٢)، وشذرات الذهب (١/ ٢٢٠)، وتقدم ذكر شيء من أقوال أهل العلم عنه ص (١٣٠)].

<<  <   >  >>