للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما ذهب إليه المنكرون لحقيقة السحر وأثره، فباطل ظاهر البطلان، والأدلة المتقدمة على إثبات السحر وحقيقته حجة عليهم، وداحضة لقولهم، وأما ما استدلوا به فلا يعدو أن يكون شبهًا يمكن مناقشتها والإجابة عنها، كما سيأتي.

ويحسن التنبيه هنا إلى أن نفي هؤلاء لحقيقة السحر وأثره، لا يعني إنكارهم لأصل السحر ووجوده مطلقًا، لأنه قد تردد ذكره كثيرًا في الكتاب والسنة، وتواطأت على ذكره الأمم في كل زمان ومكان، فلا يمكن لأحد أن ينكره مطلقًا إلا أن يكون مكابرًا، ولذا قال ابن حجر: "نقل الخطابي أن قومًا أنكروا السحر مطلقًا، وكأنه عنى القائلين: بأنه تخييل فقط، وإلا فهي مكابرة" (١).

وقال ابن قتيبة ردًا على من نفى حقيقة السحر، وزعم أنه مجرد تخييل: "نحن نقول: إن الذي يذهب إلى هذا مخالف للمسلمين واليهود والنصارى، وجميع أهل الكتب، ومخالف للأمم كلها: الهند، وهي أشدها إيمانًا بالرقى، والروم، والعرب في الجاهلية وفي الإسلام، ومخالف للقرآن، معاند له بغير تأويل" (٢).

وبهذا يتبين أن الخلاف مع هؤلاء منصب على إنكارهم لحقيقة السحر وأثره، وزعمهم أنه لا يكون إلا تخييلًا، أو أنه لا يؤثر إلا إذا كان مباشرًا للبدن، وعليه أنكروا تأثر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسحر، واستدلوا بأدلة في ما يلي مناقشتها:

[مناقشة أدلة النافين لحقيقة السحر، وتأثر النبي -صلى الله عليه وسلم- به]

١ - أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} على أن السحر ليس له تأثير في نفسه، لأن الله نفى حصول


(١) الفتح (١٠/ ٢٢٢)، وانظر: السحر بين الحقيقة والخيال (٤٥) هامش (١).
(٢) تأويل مختلف الحديث (١٦٧)، وانظر: أعلام الحديث للخطابي (٢/ ١٥٠٠).

<<  <   >  >>