للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناقشة الأقوال المرجوحة]

الحق أن ما ذكر من الأقوال الأخرى في توجيه الحديث -غير القول الأول- بعيدة عن مقصوده، ولا يدل عليها ظاهره، وبيان ذلك كما يلي:

أما القول الثاني والثالث وهما: حمل قوله: (لئن قدر علي ربي) على معنى: التضييق، أو القضاء والقدر، فمردود من عدة وجوه:

الأول: أن تقدير الكلام على المعنى الأول: (لئن ضيق علي ربي ليعذبني) وهذا لا يستقيم، لأن التضييق نوع من العذاب، فيرجع تقدير الكلام: (لئن عذبني ليعذبني) فيتحد الشرط والجزاء، وهذا خطأ ظاهر (١).

وتقدير الكلام على المعنى الثاني: (لئن قضى علي ربي بالعذاب ليعذبني)، وهذا لا فائدة فيه، لأنه قد مضى وتقرر عليه ما ينفعه وما يضره، فهو تحصيل حاصل (٢).

الوجه الثاني: أنه لو كان المراد: التقدير أو التضييق، لم يكن ما فعله مانعًا من ذلك في ظنه، وعلى هذا يكون أمره لأهله بإحراقه ثم ذره لا معنى له.

الوجه الثالث: أن قوله: (فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني) جاء مقترنًا بحرف الفاء، عقب قوله: (إذا أنا مت فأحرقوني) مما يدل على أنه سبب له، وأنه فعل ذلك لئلا يقدر الله عليه، وهذا بيِّن لمن تأمله، بخلاف معنى التضييق أو التقدير، ولو كان مقرًا بقدرة الله عليه إذا فعل ذلك، كقدرته عليه إذا لم يفعل، لم يكن في ذلك فائدة له (٣).

قال ابن حزم: "قال بعض من حرَّف الكلم عن مواضعه إن معنى: لئن قدر الله علي، إنما هو: لئن ضيق الله علي، كما قال تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: ١٦].


(١) انظر: الفصل لابن حزم (٢/ ٢٧٢)، ومجموع الفتاوى (١١/ ٤١٠)، ومشكلات الأحاديث النبوية (١٤٣).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٤١١).
(٣) انظر: المرجع السابق (١١/ ٤١٠ - ٤١١)، وبغية المرتاد (٣١٠).

<<  <   >  >>