للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الترجيح]

المتأمل للأقوال الثلاثة الأولى يجد أن كل واحد منها نظر إلى نوع واحد من النصوص الواردة في ذلك، ثم قال: بمدلوله، وبعضهم حاول الإجابة عن بعض النصوص الدالة على وجود موزونات أخرى غير ما ذهب إليه، كتأويل بعضهم لحديث وزن العامل بما يخالف ظاهره ومقتضاه، حيث قالوا: إنه مجرد ضرب مثل، فلا يؤخذ منه إثبات وزن العامل حقيقة.

والحق هو القول الجاري على الجمع بين النصوص الواردة في ذلك، والأخذ بمدلولها، فحيث ثبت وزن الأعمال، كما في أدلة القول الأول، وثبت وزن العامل، كما في أدلة القول الثاني، وثبت وزن الصحائف كما في حديث البطاقة، فإن المتعين هو القول: بأن جميع ذلك يوزن -على ما جاء في القول الرابع- وإن كان الاعتبار في الثقل والخفة إنما يكون بالعمل نفسه، لا بذات العامل ولا بالصحيفة، وهذا مقتضى الأدلة كلها، أما أحاديث وزن الأعمال فواضح، وأما أحاديث وزن العامل فهي ظاهرة الدلالة على أن العمل هو المؤثر في خفة العامل وثقله في الميزان، وحديث البطاقة دالٌّ على ذلك كذلك، فإن البطاقة إنما ثقلت بسبب ما كتب فيها من العمل وهو الشهادتان.

وقد جاء عند الإمام أحمد وغيره ما يدل صراحة على هذا الجمع، وهو أن جميع ذلك يوزن، حيث روى حديث البطاقة عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعًا بلفظٍ يجمع ما تفرق من هذه النصوص، وهو: (توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصي عليه، فتمايل به الميزان، قال: فيبعث به إلى النار، قال: فإذا أُدْبِرَ به إذا

<<  <   >  >>